تنويه مفتاحي:
أدرك سلفاً أن الإعلام الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي تفضل الموضوعات القصيرة، وأن المطولات قد تدفع الكثير من المتابعين للخروج وعدم إكمال قراءة مادة طويلة، ومع ذلك وانطلاقاً من أن الضرورات تبيح المحظورات رأيت ضرورة نشر الحوار الصحفي المرفق على الرغم من حجمه الكبير لأنه يتناول موضوعاً يهم الجميع، وبخاصة بعد ازدياد وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية على مواقع عدة في الداخل السوري، وما أفرزه هذا الأمر من تداعيات في الأوساط المجتمعية حتى وصل النخب الفكرية والعلمية، وشكل عامل ضغط إضافي على المشتغلين بالرأي العام وأهمية الحفاظ على بوصلته الوطنية بعيداً عن مرامي الاستهداف المعادي وتركيز نيرانه على قصف جبهات “الحرب على الوعي”، وقد بدا واضحاً ازدياد وتيرة الأخذ والرد، وازدياد المستوى العاطفي في بعض النقاشات، وارتفاع حدة بعض الأصوات المطالبة بالرد الفوري والمباشر على العمق المعادي، ولا شك أن بعض تلك الأصوات ينطلق من الحمية الوطنية والغيرة المشروعة لكبح جماح العربدة الإسرائيلية، وبعضها قد لا يكون كذلك، بل قد يكون جزءاً من استهداف ممنهج مرتبط بأجندة خارجية لتشويش الرؤية وارتجاج البوصلة، ومن الصعوبة بمكان اعتماد معايير علمية ودقيقة للفرز بين هذا وذاك، وللخروج من هذه المعمعة قد يكون من المفيد تناول الموضوع من جوانب عدة، وتسليط الضوء على ما قد يستتر عن العواطف والرغبات، وهذا ما تضمنه الحوار الشامل و المفصل الذي أجرته صحيفة الوفاق الإيرانية مع د. حسن أحمد حسن عن كل ما يتعلق بالموضوع، حيث تم النشر بتاريخ 12/9/2022 ، عبر الرابط التالي:
https://al-vefagh.ir/News/359009.html
وخشية حذف لمادة من المتحكمين بالشبكة العنكبوتية لسبب أو لآخر أرفق مضمون الحوار الصحفي كاملاً…
أجرت جريدة الوفاق الإيرانية حواراً عن الاعتداءات المتكررة على سورية، وعن أهدافها ونتائجها مع الباحث السوري المتخصص بالجيوبوليتيك والدراسات الإستراتيجية الدكتور حسن أحمد حسن.
السؤال الأول: في الحرب العالمية التي فرضت على سورية كان التدخل العسكري واللوجستي والاستخباراتي الإسرائيلي واضحاً جداً..
إلى ما كان يطمح هذا التدخل ؟
الجواب: أشكركم أولاً على الاستضافة، وثانياً على الدقة والكفاءة في اختيار السؤال الأول، انطلاقاً من أن فهم الظاهرة يكون بالغوص لمعرفة الجذور والأسباب والأهداف، والانطلاق منها للوقوف على التداعيات المحتملة والنتائج المتوقعة أو المطلوبة، ومن هنا أستطيع القول بالتحليل: إن كل ما حصل في المنطقة تحت عنوان “الثورات ـ الربيع المزعوم” كان لتهيئة البيئة الإستراتيجية المطلوبة لاستهداف سورية وجرفها مع التيار الذي تم التسويق له على أنه قدر لا يمكن مواجهته، ولا أمل أمام دول المنطقة حكومات وشعوباً إلا بالإذعان للإرادة الأمريكية التي تضع في أول سلم اهتماماتها في المنطقة مصالح الكيان الإسرائيلي و”أمنه” قبل أي اعتبار آخر.
إن استهداف سورية كدولة مستقلة في منطقة الشرق الأوسط ليس حديث العهد، ولم تكن البداية مع انطلاقة شرارة ما سمي ربيعاً عربياً لسبب جوهري يتعلق بالدور الذي تضطلع به سورية (واسطة عقد المقاومة) العصية على الترويض أو التهميش، وأكثر ما يزعج المسؤولين الأمريكيين أن يروا من يستطيع أن يقول لهم: “لا” ويمتلك الإرادة لتحصين تلك ال”لا” وهذا ما تميز به محور المقاومة الذي أخذت معالمه تتبلور بوضوح أكثر منذ فجر انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية بقيادة سماحة الإمام روح الله الخميني قدس سره الشريف.
إذن استهداف سورية يتجاوز الجغرافيا التقليدية المعتمد في الجغرافيا السياسية للدول، ويمتد إلى الجيوبولتيك أي الفعلية والدور المطلوب تغييره لضمان تمرير ما اتفق عليه واعتمد في الغرف المظلمة لضمان السيطرة الكونية، وخير شاهد على صحة هذا الأمر “صك الإذعان” الذي حمله كولن باول إلى دمشق بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003م. وما تضمنه من إملاءات جوهرها فك الارتباط السوري ـ الإيراني، وإدارة الظهر لحركات المقاومة الفلسطينية والتنكر لها، فالموقع والدور الجيوبولتيكي السوري والمقاوم جزء أساسي في كل ما يتعلق بالنظريات والمقولات الإستراتيجية الأمريكية التي طرحت في العقود الأخيرة بهدف بسط السيطرة والنفوذ على العالم بكليته، وضمان أن يكون القرن الحالي الحادي والعشرين قرناً أمريكياً صرفاً: /صراع الحضارات ـ نهاية التاريخ ـ رقعة الشطرنج الكونية ـ الشرق الأوسط الكبير والموسع../ ويمكن القول بثقة ويقين: إن التعثرات التي أصابت ما خطط له المحافظون الجدد واليمين الأمريكي المتصهين قد تبلورت بفضل صمود محور المقاومة وتزايد قدراته كماً ونوعاً وفاعلية زادت من أحقاد مفاصل صنع السياسة الصهيو ـ أمريكية على سورية بخاصة، وعلى محور المقاومة بكل أطرافه وروافعه بعامة، ويبدو أن واشنطن وافقت على التضحية بحسني مبارك وزين العابدين بن علي وغيرهما كمقدمة للوصول إلى سورية الأسد، وضمان إمكانية الاستمرار في عملية التضليل الاستراتيجي لإسقاط سورية الدولة والدور، وتظهير ذلك على إنه إرادة ثورية للشعب السوري، وبالتالي الاقتراب أكثر باتجاه إيران التي تشكل كابوساً حقيقياً يقض مضاجع أولئك، وإتمام إخراج بقية فصول المسرحية الصهيو أمريكية لضمان غسل الأدمغة ومصادرة القرار والإرادة في هذه المنطقة الجيو إستراتيجية من العالم، وليتصور أي متابع واقع المنطقة ومستقبلها لو استطاعت أعاصير ربيعهم الإرهابي المزعوم أن تأخذ سورية كما كان مخططاً، وأية علاقات دولية كانت تفرض ذاتها على العالم برمته؟.
باختصار شديد يمكن القول: إن التدخل الإسرائيلي المباشر كان واضحاً منذ اللحظات الأولى لانطلاق شرارة أقذر حرب عرفتها البشرية، وجحافل الإرهاب التكفيري المسلح الذي تم تجميعه من كل أنحاء الكون والزج به على الجغرافيا السورية يشكل” الجيش الإسرائيلي البديل” على الأرض السورية، والشواهد والدلائل كثيرة ودامغة على صحة هذا، ويكفي هنا التذكير بأن منظومات الدفاع الجوي كانت أحد أهم الأهداف التي ركز عليها المسلحون منذ الأيام الأولى خدمة وتنفيذاً لأوامر أسيادهم في تل أبيب التي استضافت جرحاهم للعلاج في المشافي الإسرائيلية، وتباهى نتنياهو بزيارتهم وهم على أسرَّة العلاج.
السؤال الثاني: مع ازدياد عدد الاعتداءات المتكررة على سورية، ارتفع مستوى مرتبات الدفاع الجوي في الجيش العربي السوري والذي أصبح يُسقط معظم صواريخ الطائرات، مما جعل العدو الإسرائيلي يكمل اعتداءاته من خارج الأجواء السورية …
هل لدى الجيش العربي السوري المزيد من المفاجآت على صعيد الدفاع الجوي والقوة الجوية ؟
الجواب: من المفيد التذكير هنا بأن منظومات الدفاع الجوي السوري كانت متكاملة الأداء والأدوار عبر “الدفاع الجوي الإقليمي” عن كامل الأجواء السورية، ولكل منظومة منها مهمة حسب نوعية الاستهداف المعادي المحتمل سواء ما يتعلق بالارتفاع أو بالمسافة لضمان التصدي الحتمي والناجح لأي عدوان ممكن وإفشاله في تحقيق أهدافه العدوانية، وطبيعة عمل سلاح الدفاع الجوي تفرض نشره في الأماكن المرتفعة وعلى مساحات جغرافية واسعة، مما يجعل من حماية السلاح ذاته مهمة إضافية مستقلة، وهنا يظهر ارتباط المسلحين التكفيريين المباشر بالكيان الإسرائيلي، ومن حق أي متابع موضوعي أن يتساءل ما علاقة “الثورة المزعومة” بإقدام المسلحين على استخدام المطارق الفولاذية لتحطيم رؤوس صواريخ دفاع جوية منصوبة للتصدي للطيران الإسرائيلي، ولا يمكن استخدامها إلا ضد أهداف جوية حصراً؟.
أمام هذا التكثيف الممنهج لاستهداف منظومات الدفاع كان القرار بإعادة تجميع ما يمكن تجميعه، وهذا ما قلل من الفاعلية والقدرة على تنفيذ المهام المنوطة بالدفاع الجوي، مع الأخذ بالحسبان انتشار الجيش العربي في غالبية المناطق الجغرافية بدلاً من المواقع القتالية المخصصة على الاتجاه الجنوبي لمواجهة أي عدوان إسرائيلي محتمل.
من الطبيعي أن دولة مثل سورية لن تقف مكتوفة الأيدي أمام مفرزات تفرضها الحرب المزمنة والمركبة، ومع امتداد سنوات الحرب كان لا بد من سد الثغرات التي أحدثتها المواجهة المفتوحة على الجغرافيا السورية، وكانت المفاجئة الصادمة لأعداء سورية في كفاءة رجال الدفاع الجوي السوري، والتعامل مع موجات غير مسبوقة من العدوان الصاروخي على سورية في نيسان 2018م. حيث تم التصدي وإسقاط ما قاربت نسبته حوالي 90% من الصواريخ الأمريكية والبريطانية والفرنسية التي أطلقت باتجاه دمشق ومحافظات أخرى، وقد خرج السكان المدنيون بأعداد كبيرة إلى الشوارع تعبيراً عن وقوفهم مع جيشهم وقيادتهم، وكانت ساحة الأمويين في قلب دمشق مع ساعات الفجر الأولى تغص بالناس من مختلف الأعمار، وهم يتابعون ملاحم الكفاءة والمهارة التي أبداها رجال الدفاع الجوي والحرب الإلكترونية في التعامل مع الصواريخ المعادية وإسقاطها بنسبة تقارب ثلاثة أضعاف ما يمكن أن تسقطه أحدث منظومات الدفاع الجوي بما فيها منظومات “الباتريوت” الأمريكية، وكل ما يتعلق بمفهوم “الدرع الصاروخية” الأطلسية، أو القبة الفولاذية الإسرائيلية، وقد شكل هذا الأمر أحد المفاصل الأساسية في مسار الحرب المفروضة على سورية ومحور المقاومة، وثبت على أرض الواقع أن سورية ليست وحيدة في هذه الحرب المركبة والمفتوحة.
النقطة الأخرى التي تجدر الإشارة إليها هنا تتعلق بأهمية النظر موضوعياً إلى ما يحدث على أي بقعة جغرافية خاصة بهذا الطرف أو ذاك من أطراف محور المقاومة بشكل متكامل، وليس بشكل منفصل عن غيره، أي لا أستطيع أن أنظر إلى ما يحدث في سورية وكأنه منفصل عما يحدث في لبنان أو العراق أو اليمن أو إيران، وبالتالي محور المقاومة فرض تعديلات جوهرية على قواعد الاشتباك التقليدية، فالساحات أصبحت موحدة، والجبهات متصلة، وإذا نظرنا من هذا المنطلق إلى تكرار الاعتداءات الإسرائيلية وزيادة وتيرتها في الآونة الأخيرة ليس فقط في الداخل السوري، بل رفع حدة الخطاب، ومحاولة استهداف حتى الداخل الإيراني عبر الذراع الاستخباراتية، ومحاولة التباهي، فهذا يعني أننا أمام عنوان عريض يشير إلى أن هناك قلقاً وجودياً يعاني منه المستوطن الإسرائيلي سواء أكان شخصاً عادياً أم مسؤولا صغيراً أو كبيراً في مفاصل صنع القرار، وكي يتم التخفيف من حدة وطأة هذا القلق الوجودي يبدو أنهم يحتاجون إلى بعض الرسائل الخارجية، أو كما يقال: الهروب إلى الأمام عبر تكرار الاعتداءات الصاروخية والجوية التي تستهدف الداخل السوري.
علينا أن لا ننسى أنه في مثل هذه الحروب المزمنة تختلط الحقائق بالتضليل الاستراتيجي، وفي العلم العسكري يوجد ما يسمى”الاستطلاع بالقوة”، حيث يكون أحد أهداف تكرار الاعتداءات الجوية معرفة حقيقة القدرة العسكرية السورية، ولاسيما ما يتعلق بالدفاع الجوي، لكنهم واهمون إن ظنوا أن رفع سقف التهديدات، ومحاولة دفع المنطقة إلى حافة الهاوية قد يضطر سورية أو بقية أقطاب محور المقاومة لإزاحة الستار عما يجب أن يبقى مجهولاً، فليس صواباً أن يؤدي الرد إلى طمأنة العدو إلى حقيقة موازين القوى التقليدية وغير التقليدية، فعندما يرتفع منسوب الخوف من المجهول قد يكون من المفيد دفع أصحاب الرؤوس الحامية لمزيد من التهور والتقدم بوتائر أسرع من حافة الهاوية، وبالتالي مساعدة أولئك في الإقدام على الانتحار، وإطلاق النار بأيديهم ليس على أقدامهم فقط، بل وعلى قلب كيانهم المتجه إلى الزوال عاجلاً أم آجلاً.
السؤال الثالث: في السنوات الماضية فرض حزب الله معادلة ردع مع الجيش الإسرائيلي..ومع إسقاط الجيش العربي السوري لطائرة حربية متطورة للجيش الإسرائيلي ،كنّا أمام فرصة فرض معادلة ردع قوية ..ما الذي منع هكذا فرصة من التبلور والنمو لتكون معادلة ردع قوية؟
لاشك أن يقين حكام تل أبيب بالقدرة الردعية لدى حزب الله قد فرض قواعد اشتباك جديدة، وبتقديري الشخصي أن الأمر ليس تسليحياً صرفاً، فكما أنهم يقتنعون ويعلمون ولديهم تصور عن القدرة الردعية لدى حزب الله ـ وأنا شخصيا أتمنى أن تكون أضعاف ما هي عليه اليوم ـ إلا أنهم يعلمون أيضاً بأن ما تمتلكه سورية من قدرات ردعية عشرات الأضعاف، ولفهم الموضوع على حقيقته لابد من أن ننطلق من أن محددات السياسة والتعامل المتعلقة بمنظمة مقاومة، أو حزب مقاوم، أو مجموعة مقاومة مثل حزب الله تختلف عن المحددات التي تحكم سياسة دولة مستقلة مثل سورية، والمحددات الخاصة بالسلوك وتعامل دولة تواجه حرباً مزمنة كسورية تختلف عما هي عليه لدى دولة إقليمية كبرى مثل إيران، كما أن محددات السياسة لدولة إقليمية كبرى تختلف عنها لدى دولة عظمى مثل روسيا الاتحادية الملزمة بمراعاة محددات خاصة والأخذ بها.
كما أنه لدى سورية أصدقاء وحلفاء، فكذلك لدى الكيان الإسرائيلي أصدقاء وحلفاء وكثير من العملاء، وهناك من يقول: إن رفع مستوى الرد السوري ليصل إلى العمق المعادي الإسرائيلي كفيل بتقليل الأخطار والتهديدات التي تخلفها الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، وأنه لمواجهة الخطر الداخلي لا بد من نقله إلى الخارج، ولا شك أن مثل هذه القراءة ليست مجانبة بالمطلق للصواب، لكن هناك قراءة أخرى تقول: منذ عام 2011 يدرك المتابعون أن ما كان مخططاً لسورية كفيل بدكدكة دول عظمى، وما كان بإمكان سورية أن تصمد وفق جميع الحسابات التقليدية المعتمدة، وبالتالي القيادة التي قادت دفة المواجهة العسكرية والسياسية والاقتصادية والإعلامية والدبلوماسية و..و.. الخ بهذه الحنكة، وبهذه المهارة والكفاءة، واستطاعت أن تحقق إنجازات ميدانية نوعية تضع وراء الظهر أخطر الفصول في هذه الحرب المفروضة، ومثل هذه القيادة ترى الصورة على حقيقتها من مختلف جوانبها، وهي تدرك ما تريد، وتخطط وتنفذ، ولا تتعامل بردود الأفعال، وتعلم كيف تصل إلى تحقيق الأهداف المعتمدة والمحددة مسبقاً.
السؤال الرابع :
أ- كثُرَ الحديث عن الرد السوري على الاعتداءات الإسرائيلية وعن موعد و مدى حجم الرد، أو بالأحرى لماذا لا يرد الجيش العربي السوري وهو المنتصر بالحرب التي فرضت عليه من كل أصقاع الأرض؟.
الجواب:
كثيرون يتساءلون إلى متى يبقى الجيش العربي السوري يراوح عند عتبة الاكتفاء بصد الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة والمتزايدة؟ ولماذا لا يتم الرد في العمق الإسرائيلي ؟.
قبل الإجابة المباشرة على مثل هذا التساؤل المشروع في بعض جوانبه ودوافعه، من المهم التوقف عند ثلاثة أمور مهمة، وهي:
1- محددات اتخاذ القرار العسكري تختلف عنها في اتخاذ أي قرار آخر، فللقرار العسكري خصوصية ذاتية، لأن ما يبنى عليه يتعلق بالأمن الوطني الشامل للدولة الذي لا يقبل الغفلة، لأن تداعيات ذلك تفرض على بقية قطاعات الدولة التعامل الإلزامي مع ما تؤول إليه الأمور.
2- القرار العسكري لا يحتمل التقدير الخاطئ في الحسابات الإستراتيجية، أو الصورة غير المكتملة التي يستند إليها قبل اتخاذه، وبخاصة ما يتعلق بمسألة الحرب واتخاذ القرار الذي قد يقود إلى بدء الأعمال القتالية على امتداد الجبهات مع العدو الإسرائيلي، وهذا يعني نجاح العدو في جرنا إلى الحرب وفق توقيتاته التي يحددها وحساباته الذاتية.
3- الجيش العربي السوري هو المعني أولاً وأخيراً بالرد على أي عدون، وليس هناك من مواطن عادي أو مثقف أو مسؤول أو إعلامي أو غير ذلك في سورية أو من خارجها أكثر حرصاً على هيبة الدولة السورية من مؤسستها العسكرية، وكل ما يتعلق بالتعامل الميداني المباشر مع أي عدو شأن ذاتي وحصري يرتبط بما يصدر من أوامر وتعليمات وفق توجيهات القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة.
استناداً إلى النقاط الثلاثة المذكورة من المسلم به أن جميع السيناريوهات المحتملة والخيارات الممكنة التي يتم تداولها والحديث عنها معروفة وواضحة لدى القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة، ومن الطبيعي أن تخضع جميعها لثنائية: “التكلفة والمردودية”، وعلى ضوء النتائج يكون القرار، وهذا الأمر معتمد في جميع المدارس العسكرية في شتى دول العالم، ولذا من المهم توضيح بعض الملابسات التي قد تكون أحد أهم أسباب الكلام العاطفي والمواقف الرغبوية التي قد تظهر، ويتم تداولها وتبنيها والترويج لها من دون التوقف عند مضامينها، وما تحمله من أخطار لا يمكن المجازفة بانتظار تبلورها لتصبح واقعاً لا بد من التعامل معه، وهنا يمكن التوقف عند بعض النقاط المهمة، ومنها:
• الهدف من تكرار الاعتداءات الإسرائيلية معنوي أكثر مما هو عسكري، وسياسي أكثر مما هو ميداني مباشر، وهي تأتي في إطار الحرب على الوعي لمصادرة الإرادة، والرد الأنجع على ذلك يكون بتحصين الوعي وتصليب الإرادة، وهذه مسؤولية جميع المواطنين الشرفاء، وجميع أنصار محور المقومة.
• صحيح إن هذه الحرب المفروضة قد طالت مدتها وتجاوزت الأحد عشر عاماً، وقد خلَّفت خسائر لا يمكن لعاقل نكرانها، لكن من قال: إن عدونا مرتاح سواء داخلياً أو خارجياً على مستوى الفعالية والدور المأمول من قادة تل أبيب إقليمياً ودولياً.. أتمنى الانتباه إلى سعي أمريكا لدفع روسيا للغرق في أوكرانيا، فضلاً عن التوتر الكبير تجاه الصين، وهناك القلق غير المسبوق إقليمياً ودولياً من اقتراب مفاوضات الملف النووي الإيراني من الوصول إلى نتائج إيجابية، إضافة إلى التناقضات الداخلية التي تقلق حكام واشنطن وتل أبيب، وتجاوز كل ذلك مرهون بتفجير هذه المنطقة الحيوية من العالم لتغطية الخلافات الداخلية الكبيرة، وتصديرها إلى الخارج، وهذا يعني الزج بكل الإمكانيات لتدمير الدولة السورية، وسحب ما تبلور من عوامل قوة لدى الصين وروسيا وإيران وغيرها، فهل من العقلانية أن نساعد أعداءنا في تحقيق هكذا أهداف؟.
• الحديث عن أن الأصدقاء الروس يمنعون الجيش السوري من الرد على الاعتداءات الإسرائيلية، أو أن خلافات ما قائمة في الموقف بين روسيا وإيران، وهذا أحد الأسباب التي تقيّد الجيش العربي السوري، وما شابه ذلك من تخرصات ودعاية مفضوحة الأهداف، فأصدقاء سورية أوفياء، وهم يدركون جيداً أن سورية الأسد سيدة قرارها في كل ما يتعلق بأمنها الوطني، و يتفهمون ذلك ويقدرونه على أنه قيمة نوعية مضافة وعامل قوة حقيقي للجميع، وليس لأي طرف على حساب غيره، فسورية القادرة على منع الأعداء من تحقيق أهدافهم تشكل قوة دعم للأصدقاء والحلفاء، والعكس صحيح.
• من المفيد التذكير هنا بأن السيد الرئيس بشار الأسد سبق وأن أجاب على مثل هذا التساؤل في مقابلة مع تلفزيون العالم في عام 2018م. حيث قال:( أساساً لم نتوقف عن الرد، أولاً لم نتوقف عن القتال ضد الإرهابيين، وبنفس الوقت لم نتوقف عن الرد على الإسرائيلي ضمن الإمكانيات المتوافرة لدينا من الناحية العسكرية التقنية، وكلما تحسنت هذه الإمكانيات كان مستوى الرد أفضل وأعلى، ولكن حقيقة الرد الأقوى الآن على “إسرائيل” هو ضرب الجيش الإسرائيلي الموجود في سورية وهو عملياً الإرهابيون).
ب- هل من الممكن أن تتدحرج الأمور إلى حرب شاملة إذا قامت الجمهورية العربية السورية بالرد المباشر؟
الجواب:
• في الفكر العسكري لا يجوز استبعاد أي سيناريو عن طاولة النقاش مهما كانت نسبة حدوثه متدنية، فكيف هي الحال إذا كانت كل المؤشرات تدل على زيادة احتمال أن يقود الرد السوري المباشر في العمق الإسرائيلي المعادي إلى الانتقال الفوري لحرب تقليدية جديدة مفتوحة على كل الاحتمالات، والفكر العسكري يتضمن مجموعة من الثوابت المسلم بصحتها، ومنها: (تحشيد القوات في مسارح العمليات المحتملة قد يشعل الحرب حتى لو لم تكن الأطراف المحشدة ترغب فعلاً ببدء الأعمال القتالية).
• أثبتت سنوات الحرب الممتدة منذ 2011 وحتى الآن أن سورية وبقية أقطاب محور المقاومة يركزون على ما يسمى “التراكم الإستراتيجي” لضمان الاستثمار الأمثل فيمَ تمت مراكمته في اللحظة الحاسمة التي يقدرها أقطاب محور المقاومة، وليس وفق توقيت العدو، ولا الانجرار إلى الجبهات التي يهيئ مسرح عملياتها بما يساعد الأعداء على خوض الأعمال القتالية وفق مخططاتهم الذاتية، فالانجرار إلى حيث يريد العدو يعني التفريط بكل ما تمت مراكمته إستراتيجياً.
• الاتجاه الجنوبي هو الأخطر إذا بدأت الأعمال القتالية المباشرة مع العدو الإسرائيلي، وهو الاتجاه الرئيس لتقدم القوات المعادية، كما أنه الأقرب إلى العاصمة دمشق، والجيش العربي السوري اليوم ينتشر في مختلف مناطق الجغرافيا السورية، وأية حرب محتملة مع الكيان الإسرائيلي تتطلب نقل القوات للزج بها في الأعمال القتالية، ونقل القوات يعني ترك الجبهات لقوات الاحتلال الأمريكي والتركي والقوى الانفصالية والإرهابية في الشرق والشمال الشرقي ، وفي إدلب وما حولها، وهذا يعني منحها الفرصة لتحقيق ما عجزت عن تحقيقه طيلة سنوات الحرب، والسؤال: هل في اتخاذ هكذا قرار شيء من الحكمة إذا تم وضعه على كفتي ميزان التكلفة والمردودية؟.
• هناك من يتحدث عن نتائج إيجابية كبيرة تحققها تل أبيب من خلال ما بات يعرف بـ:”المعركة بين الحروب” أي عبر تكرار الاعتداءات العسكرية على مواقع في الداخل السوري، ولا أظن معطيات الواقع تشير إلى ذلك قط، فمنذ أحد عشر عاما وهم يعلنون أن الهدف الرئيس من تكرار الاعتداءات الجوية والصاروخية هو قطع التواصل من طهران إلى الضاحية الجنوبية كحد أدنى، وفي الوقت نفسه وباعتراف قادة الكيان إن إمكانيات حزب الله التسليحية والعددية والمهارة والكفاءة تضاعفت عدة أضعاف، فماذا يعني أن يعمل الكيان الإسرائيلي بكل ما لديه من إمكانيات وعلاقات سياسية واقتصادية وإعلامية ومجموعات ضغط وتأثير في العديد من دول العالم وغير ذلك لتحقيق هدف محدد أعلن عنه رسميا، وتبين أن العكس هو ما يحدث، وأن المستهدف يزداد قوة وتجذراً وتأثيراً، ويزداد إزعاجاً وتهديداً وجوديا للكيان الصهيوني؟.. هذا يعني الفشل المركب، ورفع السقوف التي يتم تصديرها إعلاميا لتغطية معالم هذا الإخفاق المركب.
• النقطة الأخرى التي سأتوقف عندها تتعلق بقراءة اللوحة بكليتها لا بجزئياتها، فلو أن اليوم سورية قامت بالرد في الداخل الإسرائيلي، فهذا يعني احتمال اشتعال المنطقة برمتها، والجميع أصبح على يقين بأن محاولات الهروب إلى الأمام أحد العناوين المعتمدة إسرائيلياً، وهو ما يسمى” خيار شمشون”، وهذا جزء من الحرب على الوعي وأتمنى الانتباه جيداً إلى هذه النقطة بشكل دقيق: عندما يتم العمل بالتصعيد عبر دفع المنطقة إلى الاحتراق الذاتي والانتحار، فهذا يعني أن الطرف الذي يقوم بهذا الدفع هو على يقين مطلق بأن وجوده بكليته مهدد فعلاً، في حين أن من يعمل على قطع الطريق على الذهاب بهذا الاتجاه هو يعلم بأن الطرف الآخر يستطيع أن يشعل حرباً ، ويستعد لخوض تلك الحرب المحتملة، ويعمل على توفير عوامل النصر فيها في أي وقت يفرض عليه دخولها وخوض أعمالها القتالية، مع الأخذ بالحسبان أن تل أبيب تعلم أن سورية تستطيع أن ترد، وأن الرد قد يشعل المنطقة، وهذا يؤكد بأن ثقة سورية بنفسها وبإمكاناتها وبالمستقبل المرئي هي الأكبر، في حين أن الشك والتردد والخوف والهواجس هي ما تدفع الكيان الإسرائيلي للمضي بهذا الاتجاه، وليس العكس.
ج- هنا يبرز الوضع الأهم عن دور الحلفاء( إيران وحزب الله) ،هل ترى أنهم سيدخلون بالمواجهة إذا نشبت حرب شاملة ؟
الجواب:
• قبل الحديث عن إمكانية دخول حزب لله وإيران في المواجهة إذ نشبت حرب شاملة من المفيد التذكير بأهمية منطقة الشرق الأوسط والمكانة التي تشغلها في استراتيجيات جميع الدول والقوى الفاعلة في مفاصل صنع القرار الدولي، وهذا يعني ضرورة الأخذ بالحسبان توازن القوى وقواعد الاشتباك إقليمياً ودولياً.
• تحمل مسؤولية انفجار المنطقة واشتعالها قد يفوق إمكانية جميع الأطراف، فالحرب الشاملة تعني أحد احتمالين رئيسيين:
أ ـ انتهاء الدور الوظيفي للكيان الإسرائيلي كرأس حربة لدى الغرب الأطلسي بعامة والأمريكي بخاصة، وهذا يعني إمكانية زوال ذاك الكيان ببنيته التقليدية القائمة، الأمر الذي يسرع في سقوط نظام الأحادية القطبية دفعة واحدة وإلى غير رجعة، ومن المستبعد أن تسمح واشنطن وأتباعها بحدوث ذلك إذا استطاعوا.
ب ـ ازدياد حدة الاشتباك بين القوى العظمى وإرغام الجميع على التدخل للحفاظ على الحد الأدنى من التفاهمات التي تبعد خطر حرب عالمية جديدة، وفي كلا الحالتين ستكون نسبة الدمار التي تخلفها أية حرب شاملة مهما كانت مدتها قصيرة تفوق كل تصور، وهذا ما قد يؤسس لمرحلة جديدة من العلاقات الدولية القائمة على قواعد اشتباك محددة وصارمة يفرضها توازن القوى الجديد.
• زيادة العربدة الإسرائيلية، وإطلاق التهديدات غير المسبوقة، ورفع سقف التصريحات الصادرة عن المسؤولين السياسيين والعسكريين والأمنيين لا تعني حتمية نشوب الحرب، وعندما يتيقن حكم تل أبيب من أن الأحداث تتطور بشكل غير محسوب، وتداعياتها قد تخرج عن السيطرة وتتجه نحو الانفجار والسقوط في حافة الهاوية، فسيعمد حينها أولئك أنفسهم، وبخاصة أصحاب الرؤوس الأكثر سخونة إلى الاستعانة بالولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب الأطلسي، وأتباعهم من أنظمة التبعية والتطبيع في المنطقة للتدخل ومحاولة لملمة الأوضاع، والحيلولة دون الانفجار الحتمي.
• قد لا تحتاج سورية أن تتدخل إيران بشكل فوري، وهذا السيناريو الأفضل، بحيث تستطيع سورية ومعها حزب لله حسم الأمر، أو أخذه إلى منطقة يصبح فيها وقف الأعمال القتالية ضرورة كونية ـ وهذا هو الاحتمال الأرجح ـ أما إذا سارت الأحدث باتجاه يهدد الأمن الوطني السوري، أو يشكل خطرا حتميا وجودياً على المقاومة في المنطقة، فمن الطبيعي أن تتدخل إيران، وبخاصة أن العدوانية الإسرائيلية تستهدف الجميع، وقد يفكر بعض المسؤولين الصهاينة بتوسيع مروحة الحرب، وقد يقدمون على استهداف الداخل الإيراني طالما خرجت الأمور عن السيطرة، وعندها يكون أولئك قد ساعدوا بحق محور المقاومة وكتبوا بأيديهم الآثمة نهاية هذا الكيان السرطاني.
• نشوب الحرب الشاملة قد يحول المطارات الإسرائيلية بعد ساعات قليلة إلى نقطة عبور باتجاه واحد، وبحساب بسيط إذا كان لدى حزب لله وحده قرابة مئة وخمسين ألف صاروخ وفق التقديرات الإسرائيلية، فكم لدى سورية؟.. وليتصور أي متابع سقوط تلك الصواريخ على بقعة جغرافية محدودة بمساحة فلسطين المحتلة فأية حالة سيجد حكام تل أبيب أنفسهم فيها؟ وماذا لو سقطت بعض الصواريخ على مفاعل ديمونة أو غيره من الأهداف الإستراتيجية التي يدرك جنرالات الكيان المؤقت أنها محملة بالفعل على الصواريخ القادرة على الوصول المضمون إليها؟… وإذا كان هناك من يتغنى بما يسمى الذراع الطويلة أي سلاح الجو الإسرائيلي فهل يتوقعن عاقل أن تجد الطائرات التي تقلع في أول مهمة قتالية مدرجات صالحة للهبوط إذا تمكنت من تنفيذ مهمتها والعودة، هذا إذ تمكنت أساساً من الإقلاع.
السؤال الخامس :
يُعِد العدو الإسرائيلي العدة دائماً لخوض الحرب الكبرى القادمة، مع استعداد كافة قوى المقاومة للمواجهة، وبقاء الشمال السوري منطقة نزاع، مع قرب عودة العلاقات مع تركيا، هل سيُقدم العدو الإسرائيلي على أي عمل لمنع التقارب السوري- التركي؟
الجواب:
بكل تأكيد لن يدخر حكام تل أبيب جهداً لمنع تطرية الأجواء بين سورية وتركيا، وسيقدمون على أي أمر يساعدهم بإبقاء سورية في دائرة الاستنزاف الدائم، وقطع الطريق على أي أمر يخدم الاستقرار والهدوء، وهذا هو المنتظر منهم، فماذا يمكن للعاقل أن يتوقع من عدوه سوى الأذى والغدر والاستهداف الممنهج سراً وعلانية، ويمكن سحب الأمر ليشمل أطرافاً أخرى غير التركي، فتكرار الاعتداءات الإسرائيلية يحمل رسالة مباشرة تدفع أصحاب النزعة الانفصالية قسد وشبيهاتها وبقية التنظيمات الإرهابية المسلحة لرفع سقوف مطالباتها، ومحاولة قطع الطريق على أية خطوة إيجابية تقررها الدولة السورية لإعادة ما أمكن إلى حضن الوطن، ويدرك المتابع المهتم أنه مع كل مصالحة كبيرة تعلن عنها الدولة السورية تتجدد الاعتداءات الإسرائيلية في رسالة لمن يحملون السلاح كي يتمسكوا بعنادهم وإجرامهم أكثر فأكثر، وأنهم غير متروكين وحيدين، فتل أبيب تدعمهم ولن تتخلى عنهم، وفي ضوء هذا يمكن فهم حقيقة الاعتداء على مطار حلب، وإعادة الاعتداء عليه بتاريخ 9/6/2022م وإخراج المهبط الرئيس عن الخدمة، كما سبق للكيان الإسرائيلي أن استهدف مطار دمشق الدولي وأخرجه عن الخدمة لفترة قصيرة بعد استهداف المدرج الرئيس وبرج المراقبة، وعندها تم تحويل حركة الطيران إلى مطار حلب، وكأن العدوان الجديد يريد أن يوصل رسالة مفادها: أنه في حال ذهبت الأمور إلى حافة الهاوية فعندها لن يعمل لا مطار دمشق، ولا مطار حلب، وهذا نوع من رفع السقوف.
النقطة الأخرى تتعلق بالجانب التركي والبون المتسع بين الأفعال والأقوال، فمن يسمع تصريحات أردوغان وبقية المسؤولين الأتراك وبخاصة بعد قمتي طهران وسوتشي وإظهار الحرص التركي على سلامة الدولة السورية وسيادتها على كامل أراضيها يحسب أن الأتراك أداروا ظهر المجن لواشنطن وسياساتها في المنطقة، واتجهوا لزيادة التنسيق مع روسيا وإيران، ومن يتابع السلوك المعتمد يجد العكس، فالاعتداءات مستمرة بما فيها قطع المياه عن أكثر من مليون مواطن سوري دون ن يرف جفن لإدارة أردوغان، وعندما يتم استهداف مطار حلب بالذات يأخذ العدوان دلالات خاصة، فحلب هي العاصمة الاقتصادية لسورية، ولطالما أفصح أردوغان عن استمرارية حلمه باستعادة السيطرة عليها كجزء من السلطنة العثمانية البائدة، وكأنَّ رسالة العدوان الإسرائيلي على مطار حلب تقول: إن التنسيق التركي الإسرائيلي هو في الأوج بغض النظر عما يتم تداوله في الإعلام، وإذا كان هناك من يتحدث عن تطرية الأجواء بين دمشق وأنقرة، فهذا يحتاج إلى رضا تل أبيب.
كل ما ذكر لا يقلل من أهمية صمود سورية في مواجهة أقذر أشكال الحروب التي عرفتها البشرية على امتداد تاريخها الطويل، ولاشك أن القيادة السياسية والعسكرية السورية التي قادت دفة المواجهة العسكرية والسياسية والاقتصادية والإعلامية والدبلوماسية و..و.. الخ بهذه الحنكة، وبهذه المهارة والكفاءة، واستطاعت أن تتجاوز أخطر الفصول في هذه الحرب المفروضة، وأن ترغم الجميع على إعادة الحسابات بكل ما له علاقة بمحور المقاومة وتكامل أدواره، وهذه القيادة بصبرها الاستراتيجي وتنسيقها مع شركائها وحلفائها تعي حقيقة ما يخبئ من أوراق، وتعرف كيف تواجه، وكيف تخطط وتنفذ لإفراغ بنك الأهداف المعادية من أية إمكانية للتبلور، وبكلمات أخرى سورية ومحور المقاومة لا يتعاملون بردود الأفعال، ويعلمون كيف يحولون التحديات إلى فرص، و كيف يمكن الحفاظ على المصالح الوطنية العليا، وتحقيق الأهداف المعتمدة والمحددة مسبقا بأقل تكلفة، وأعلى مردودية.
Discussion about this post