“السّيدة فاطمة (ع): إمتداد الوحيّ ورائدة العمل الحقّوقي”
سندس يوسف الأسعد
نظم مركز الأمة الواحدة للدراسات الفكرية والاستراتيجية، بالتعاون مع مؤسسة عاشوراء الدوليّة والعتبة الرضوية، ندوةً فكرية، إحياءً لذكرى شهادة السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، تحت عنوان”النهج الفاطمي ومكافحة الظلم العالمي”، وذلك مساء يوم الاثنين، 20 ديسمبر، عبر منصة “زووم”. وقد شارك في الندوة نخبة من الشخصيات الدينية والفكرية والإعلامية، يتقدمهم رئيس مؤسسة عاشوراء الدولية آية الله الشيخ محمد حسن أختري، ورئيس مركز الامة الواحدة للدراسات الفكرية والاستراتيجية السيد فادي السيد، والسيدة رباب الصدر رئيسة مؤسسات السيد الصدر.
وهذا ملخص للورقة البحثيّة التي عرضتها خلال الندوة تحت عنوان “السّيدة فاطمة (ع): إمتداد الوحيّ ورائدة العمل الحقّوقي”
لم يعرف التّاريخ الإنساني شريعةً تعلي من حقوق المرأة وكرامتها وتسمو بها كالإسلام المحمديّ الأصيل، الذي جاء ليحرّرها من أغلال الجهل والظلم والعبودية، وليعلي من شأنيَّتها ودورها الرّسالي في صناعة الإنسان، ليكون خليفة اللّه. فقد عاشت المرأة حالة تهميش وانقياد وتقييد لحقوقها وواجباتها، ولم يكن دخولها المعترك السّياسي بالأمر السهل. في المقابل، نجد بأن السّيدةَ فاطمة الزّهراء (ع) لعبت دورًا سياسيًّا محوريًّا رافدًا لرسالة الوحيّ، في حياة أبيها وبعد استشهاده. بحثي سيركّز على دور السّيدة الزّهراء (ع) الإعلامي الهام في تكريس مبادئ الرّسالة وفي نصرة إمام زمانها.
فقد نهضت السّيدة الزّهراء (عليها السلام) في ظرف زمني حسّاس، أي بعد شهادة أبيها (ص)، انقلب فيه المسلمون على أعقابهم، ممّا أدّى إلى عودة الأمّة إلى عاداتها الجاهليّة القبليّة، لتؤكّد بأنّها (ع) مقياس من مقايس حفظ الإسلام الأصيل، كما في حديث أبيها (ص): “إنّ الله يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها”، يقتدي بنهجها سائر المسلمون كي لا ينحرفوا عن الصّراط المستقيم، وكي تستمر رسالة الوحيّ التي جاهد من أجلها الرّسول (ص). هذا ما يؤكّد أهميّة الحراك السّياسي الحقوقي للمرأة المسلمة في حفظ جوهر الإسلام، ومجابهة الظّلم والعبودية والطبقيّة. ومن هنا، يبيّن حديث: “فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها أغضبني” دورها (ع) في تكريس العقيدة وفي مجابهة الظّلامات بعد شهادة أبيها الرّسول (ص)، وكيف ستتصدى (ع) لها. فقد أسّست الزّهراء (ع) تيّارًا معارضًا فريدًا، نجح في احتواء روح العقيدة والحفاظ عليها للأمم المتعاقبة، وهو الدّور الذي يجب أن تلعبه نساؤنا اليوم لحفظ الرسالة، في ظلّ الحرب النّاعمة التي يشنّها الإستكبار، تحت عناوين برّاقة خدّاعة.
ثمّ إنّ السّيدة الزّهراء (ع) تفرّدت بنموذج فذّ رسّخت من خلاله واجب كل امرأة نصرة إمام زمانها والتصدّي للدفاع عن حقّ الأمّة، مهما تطلب ذلك من تضحيات. أرادت للأمّة أن تعي مخاطر ما يحدث، فلاذت، كما يصف الرّواي، “خمارها على رأسها واشتملت بجلبابها وأقبلت في لمّة من حفدتها ونساء قومها”، معلنةً ثورتها الإصلاحيّة، لتلقي الحجّة عليهم، وتدعوهم إلى إعادة الحقّ إلى صاحبه، مذكّرةً إيّاهم بأحقيّة ولاية المعصوم المتمثّلة بالإمام علي (ع)، وبأنّهم غاصبون للسلطة وجاهلون بالأحكام الشرعيّة، بما لا يؤهّلهم لقيادة الأمّة. وعندما خاطبتهم: “أأُغلب على إرثي، وورث سليمان داود”، أرادت التّأكيد بأنها لم تخرج، كما ابنها الحسين، “أشرًا ولا بطرًا”، إنما خرجت لتصلح الأمّة وتذكّرها بأنّ الإمام علي (ع) هو تجسيّد الوحي والرّسالة. ولطلب الدّعم والنّصرة، كانت تستقطبهم في منزلها، الذي تحوَّل إلى مركز الثّورة، فهدّد مصالح الظّالمين وأثار غضبهم وحقدهم.
إنّ خروج الزّهراء (ع) على الحاكم ومطالبتها بإحقاق حقّ الأمّة، لا حقّها الشخصي كما يروج المغرضون، يثبّت نمط سياسي مميّز لنسائنا، يرتكز على وجوب مجابهة الظّلم والإلتزام بالدّور التّبليغي السّياسي المناط بهن، بحسب ما يُمليه التّكليف والظّروف والأولويات. فقد أدّت السّيدة الزّهراء (ع) دورًا رياديٍّا في حفظ الإسلام ونصرة إمام الزّمان، وهما ما يحتاجهما إمام زماننا (عج) في زمن التّمهيد لظهوره المبارك، وليستكمل ثورة أمّه وجدّه الحسين (ع) المجابهة لكل صنوف الظّلم والإستكبار. ومن هنا تكمن أهميّة المواجهة، كما في الآية: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَ اللهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً}، حين يتطلّب الأمر صيانة العقيدة من براثن الجاهليّة. ولأن التاريخ لم ينصف السّيّدة الزهراء (ع)، فإن المسئولية تحتمُ علينا إبراز هذا النموذج النخبوي، سيّما لأولئك الذين يبذلون قصار جهدهم في تنميط المرأة وتهميشها وتوهينها وإظهارها على أنها مخلوق لا حول له ولا قوّة.
Discussion about this post