*بندقية مارقة في رام الله*
*أحمد أبو زهري..*
تمكن عشرات الشبان الفلسطينيين مساء يوم الأربعاء الماضي من (تحطيم وإحراق) سيارةٍ لمستوطنَين تسللت إلى مدينة رام الله، في مشهد بطولي مهيب كاد أن يؤدي لقتل المستوطنين المتطرفين الموجودين في هذه السيارة “لولا تدخل الأجهزة الأمنية” التابعة للسلطة، التي حضرت في اللحظات الأخيرة وأنقذت المستوطنين ونقلتهما لجهة آمنة لتسلمهما بعد ذلك لقوات الاحتلال، المشهد ذاته وهو يظهر هذا الغضب العارم في صدور الشباب الفلسطيني الثائر، يكشف عن حالة من (الانسلاخ الوطني) عن القيم والمبادئ والمسؤوليات التي تجردت منها هذه السلطة، التي عَجزت أو عُجزت عن القيام بأي دور وطني مشرف في وجه الاحتلال، بعد أن قيدت نفسها أو قُيدت باتفاقيات هزيلة فرضت عليها أن تصبح (عصا وبندقية مارقتين) تمارسان دورا وظيفيا مشبوها.
ولا غرابة في ذلك؛ لأنه لا يمكن بحال أن يتصور عاقل أن يقوم ضابط أمن فلسطيني بحماية المستوطنين ومنع أي محاولة للنيل منهم، في ظل عجز هذا الضابط عن القيام بأي دور وطني لحماية المواطنين من عشرات بل مئات الاعتداءات الخطيرة والمتكررة من قبل المستوطنين، والتي أدت في ظروف مختلفة لاستشهاد أطفال ونساء وشيوخ من جراء تعرضهم للدهس أو التعذيب أو الحرق أو إطلاق النار، إذ لم تحرك جرائم المستوطنين أي صحوة ضمير أو يقظة وطنية لدى هؤلاء أو قياداتهم الأمنية، وبقوا يسيرون “كالجاموس الهرم معصوب العينين” والذي يدور في الساقية بينما ساقاه مثقلتان بالوحل، فلا هو قادر على تحرير نفسه من هذه المتاهة، ولا هو قادر على تعديل مساره للخروج من الوحل.
لكن الشباب الفلسطيني البطل كان له موقف مختلف وأراد إيصال رسائل في كل اتجاه بسواعده الحرة، منها: 1_أنه لا يمكن التعايش مع الاحتلال، وأن كل المحاولات لتغييب وعي الشباب ستبوء بالفشل. 2_ أنه لا مستقبل للاحتلال على هذه الأرض. 3_ أنه لا أمن ولا أمان للجنود والمستوطنين في أرض فلسطين. 4_ أن جرائم المستوطنين والجنود لها ثمن يمكن أن يكون باهظا. 5_ أن محاولات التطبيع وتلميع صورة العدو لن تجدي نفعا. 6_ وأن شباب الضافة قادرون على تغيير المعادلة وتفجير مواجهة عارمة في أي لحظة وما حدث للمستوطنين شرارة على الطريق لذلك.
وفي الوقت ذاته فإن الاحتلال الإسرائيلي بات يدرك تماما أن واقع الضفة الغربية (صعب ومعقد) وأن الاعتماد على أجهزة السلطة في السيطرة ومنع وقوع هجمات على الجنود والمستوطنين هي مغامرة محفوفة بالمخاطر وأن هناك ضرورة لتدخل قواته بصورة مباشرة لتنفيذ عمليات مهمة حتى لو أدى ذلك لاجتياح مناطق واسعة، وذلك لإدراك قيادة الاحتلال أن “السلطة في الضفة تترنح” على الرغم من كل محاولات الإنعاش التي تجري لها والتي كان أبرزها زيادة الدعم المالي لموازنة القطاع الأمني، وقد تمثلت أسباب ضعفها وتراجعها في: 1_الصراعات الداخلية بين قيادات وكوادر السلطة. 2_ تخلي قيادات وجماهير حركة فتح عن القيادات والأجهزة الأمنية التي تتورط في أدوار مشبوهة مع الاحتلال. 3_ زيادة حالة الغضب والغليان ضد السلطة وانفضاض الجماهير عنها. 4_ زيادة حضور المقاومة واحتضان شعبنا أي فعل مقاوم وتجريم الجماهير للتنسيق الأمني بكل أشكاله.
هذا بدوره يشي بأن مستقبل الضفة يتشكل بطريقة مختلفة لا تحمل أي خير للاحتلال، وأن مساعي التسكين والتبريد لن تحقق أي نتائج إيجابية للعدو وأعوانه، وأنه على الاحتلال أن يعي جيدا أن اندلاع مواجهة شاملة في الضفة بات أقرب من أي وقت مضى، فالعدوان المستمر سيجلب له الخراب والدمار، إذ لا يمكن لشعبنا أن يحتمل مزيد من البطش والعدوان، لذلك فليفعل العدو ما يحلو له من الجرائم وليستعد جيدا لدفع الثمن فلا يدري ماذا يعد له في الخفاء في أزقة وحواري وكهوف وجبال الضفة التي سيضرب أبطالها في كل اتجاه وحينها سيدرك العدو أن المشهد عاد إلى صورته الأولى، وما عليه إلا التقاط الإشارة مبكرا بعد حرق سيارة المستوطنين في رام الله وإلا فإن ساعة الحساب آتية.
*المصدر: صحيفة فلسطين*
Discussion about this post