الانهيار واستحقاق الإصلاحات الدستورية
غالب قنديل
خلافا لما يظن ويكرّر كثيرون، تمثّل الظروف الحاضرة، على قسوتها وحراجتها، أفضل توقيت ممكن لخطوات إصلاحية دستورية وعملية مؤجلة، تفتح سقف تطوير النظام القائم، وتعدّل قواعد إنتاج السلطة السياسية.
أولا: تصطدم باعتراض شديد ومعاندة محاولات الدّفع في تطبيق أهم بنود اتفاق الطائف، من خلال تحرير التمثيل النيابي من القيد الطائفي، وانتخاب مجلس للشيوخ. وهو أهم بنود الاتفاق الإصلاحية. وقد حجز قسرا بذرائع مصطنعة ومختلقة لإطالة عمر المصالح والأحجام، التي تكفلها المرحلة الانتقالية، التي دامت منذ صدروها بقانون دستوري لعقود، في تركيبة تضمن الموالفة بين شبكة مصالح وأحجام سياسية، تتحكم بهياكل النظام الاقتصادي الاجتماعي في لبنان. وعلى الرغم من الانهيار الحاصل، تسعى القوى المهيمنة لتجديد سيطرتها ونفوذها، وكبح أي مسعى لتجاوز القواعد السابقة لتكوين السلطة ومباشرة التغيير الهيكلي، من خلال تنفيذ البنود التي أدرجت في نصّ دستوري مؤجل التنفيذ. ويقينا إن من يخاف من لحظة الغاء التمثيل الطائفي في المجلس النيابي وتأسيس مجلس الشيوخ، إنما يخشى المسّ بشبكة من المصالح ومواقع النفوذ في البنيان المؤسساتي والتركيبة المجتمعية للنظام اللبناني.
ثانيا: تزايدت أهمية هذه الخطوة بتراكم العوامل المجتمعية والسياسية المحفّزة لتطوير المؤسسات ولتوسيع قاعدة انتاج السلطة بالمرونة الكافية، لاحتواء القوى الشابة في مجتمع فتيّ، من خلال خفض سن الاقتراع، وتوسيع تمثيل النساء بالتطبيق العاجل للكوتا الملزمة في الترشيحات النيابية. كما يمثّل انتخاب مجلس الشيوخ أول الطريق في مسيرة بناء نظام تمثيلي أكثر مرونة، والانتقال إلى الدولة الحديثة، التي هي ضمان استقرار مديد وتنمية مستقرة. وهذه الإصلاحات التي تُحجز قسرا، تومي انعكاسات حجزها بخطر ظهور تفاعلات ونتائج سياسية سلبية، تعكس تململ الفئات الفتيّة والحيويّة، واصطدامها ببنية النظام. وعبثا الرهان على التأجيل والتماهل والمماطلة في خطوة دستورية مستحقة، يفرضها التطوّر البنيوي المتراكم على صعيد المجتمع. وأيا تكن الذرائع، فهي غير مقبولة، ومنافية لأي منطق وطني مسؤول، وتناقض حاجات مواكبة التطلّعات الشبابية في مجتمع فتي.
ثالثا: فتح الانهيار الاقتصادي والمالي نوافذ متعددة وواسعة لفعل ديناميات اجتماعية جديدة، كما أسال لعاب جهات أجنبية وإقليمية للتجنيد والتشغيل الاستخباراتي، ولشراء المساحات الاعلامية والسياسية في لبنان، بعد تراجع الكلفة، وأسقط واقعيا مسلّمات عديدة، سادت لسنوات، عن ثبات التوازنات الداخلية والتركيبة العامة للقوى والكتل الكبرى. ويتخذ هذا البعد أهمية استثنائية على أبواب الانتخابات النيابية، التي تحرِّك استعدادا ملحوظا، وتحفّزا ظاهرا من الآن، في سائر المناطق، ومن مواقع التأثير التقليدية والمستجدة. ويقضي الواجب الوطني ضمان إنجاز التكيّف السليم والهادئ، وتلبية حاجات التطوّر المجتمعي بصورة بناءة. ومن هنا ندعو إلى مبادرة سياسية نيابية عاجلة، لفرض تنفيذ إصلاح دستوري، هو الأهم، بعدما تعرّض للعرقلة والإعاقة منذ بدء تنفيذ الطائف.
Discussion about this post