على قدر هول الحرائق التي مست ولايات عديدة في الجزائر، كانت الهبة التضامنية ضخمة من طرف المواطنين لإخماد النيران، ومساعدة المنكوبين وإيوائهم، فبعد أكثر من أسبوع تحولت فيه الأماكن المتضررة من الحرائق، إلى محج لقوافل المساعدة من شتى الولايات.
في التاسع من أغسطس/ آب بدأت أولى الحرائق الكبيرة في ولاية تيزي وزو (شرق العاصمة)، وبدأت معها أولى ترتيبات المتطوعين، يقول سمير شاب من ولاية تيزي وزو، شارك في عمليات المساعدة منذ بدايتها لوكالة “سبوتنيك”، إن عمليات التضامن بدأت فوراً، في مركز ولاية تيزي وزو بتجاه القرى والمداشر المتضررة، بداية بتوفير الأكل وماء الشرب للعائلات التي غادرت منازلها من طرف القرى التي لم تحاصرها النيران، فتحت المقاهي والمحلات رغم الحجر الصحي، لتزويد الهاربين من ألسنة اللهب بالضروريات”.
وبعد ليلة كارثية، بدأت المساعدات تصل من كل ربوع الوطن، وتكفلت جمعيات محلية يقول سمير “بإيواء المتطوعين، ووجهت نداءات لجميع أصحاب المحلات لفتح محلاتهم، وتم تخصيص نهج الشهيد كريم بلقاسم، لتجميع المساعدات ومن ثم إرسالها إلى الأماكن المتضررة”.
في عين المكان، كان الجميع يعمل كخلية نحل، رغم الأنباء المفزعة وعدد الضحايا المرتفع، والقرى التي احترقت كليا، تقول أمل “حجم المساعدات الكبير الذي تهاطل على منطقة القبائل، سمح للجان القرى بهيكلة الإعانات وإيصالها للمحتاجين”، مواقف تعتقد أمل أنه “دليل وحدة وطنية قوية، جعلت الجزائر كلها تتداعى لمساندة جزء لا يتجزأ منها”.
وخلال الحرائق، تحولت العاصمة إلى مستودع منتوجات موجه للمتضررين، تقريبا عند كل بلدية، وفي كل حي شعبي نصبت نقاط جمع التبرعات، يقول شاب أوقفته وكالة “سبوتنيك”، وهو يستعد للإقلاع إلى تيزي وزو، محملا بكميات كبيرة من المياه الصالحة للشرب “عشرات الموتى، غابات وقرى نسفت كليا، وصور تدمي الحجر، لا يمكننا إلا العمل سوياً من أجل إغاثة المتضررين في أسرع وقت ممكن، وحسب ما وصلنا من أخبار، الماء مطلوب بقوة لهذا خصصنا هذا التنقل اليوم حصرا لتوفير المياه قدر المستطاع.”
وبنفس الإصرار، والعزيمة عرف مستشفى الدويرة بالعاصمة، الذي استقبل الجرحى المصابين بالحروق، إنزالا شعبيا حقيقيا، بعد النداءات التي انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي، تقول ممرضة لـ”سبوتنيك” في عين المكان “أطلقنا نداءات للحصول على كميات مياه بسرعة، وحفاظات للكبار، فغمرنا الشعب بكرمه، عند كل نداء هناك ردة فعل جماعية غير مسبوقة، ما يحدث من تحرك جماعي للشعب نحو هدف واحد، شيء رائع”.
ولم تقتصر قوافل المساعدة إلى ولاية تيزي وزو، حيث وبمجرد اشتعال بعض المناطق في ولاية سكيكدة، توجهت فواقل المساعدة شرق البلاد، تقول لنا حفيظة من ولاية سكيكدة “عملية جمع التبرعات لصالح ضحايا الحرائق في سكيكدة، كانت تتم عبر جمعيات خيرية، مثل ناس الخير، بريق 21 وغيرها، وكذا دور الشباب في الولاية، حيث وبعد تجميع المساعدات يتم نقلها للأماكن المحتاجة، مثل أم الطوب، سيدي مزغيش وغيرها”.
وعن ردة فعل باقي ولايات الوطن، تقول حفيظة “الجمعيات استقبلت مساعدات من خارج الولاية، حيث وصلت عدة قافلات وطنية من الجزائر العاصمة، تيزي وزو، بجاية، بسكرة، سيدي بلعباس، بالإضافة إلى تبرعات أفراد ومؤثرين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تنقلوا إلى الولاية للوقوف على توزيع المساعدات، وإيصالها مباشرة إلى العائلات المحتاجة”.
ونظرا للكم الهائل من المساعدات، تواصل حفيظة “أعلنت جمعية، ناس الخير، والتي تعتبر من أبرز جمعيات المجال الخيري، بأن عمليات جمع التبرعات توقفت، رغم ذلك مازالت القوافل تصل تباعا إلى الولاية”.
لم يهمل المتضامنون الجانب النفسي، تقول الطبيبة سمية في حديث مع وكالة “سبوتنيك”: “مباشرة بعد الحرائق انطلق الأخصائيون النفسانيون، إلى مراكز إيواء العائلات المتضررة، وكذا إلى القرى المنكوبة من أجل التكفل نفسيا بالضحايا” كما يجري الآن التخطيط للتكفل النفسي على المدى البعيد “مديرية الصحة تقوم حاليا بتنظيم عمليات التكفل النفسي بالمنكوبين، والذين فقدوا أحباءهم، وأراضيهم، لهذا أعتقد أن الجانب النفسي لم يتم إهمالهم، لأن رجال ونساء هذا التخصص متواجدون في الميدان منذ ببداية الكارثة”.
وأمام فداحة الخسائر البشرية، من نساء وشيوخ ورجال، مدنيين وعسكريين، تكاتف الشعب الجزائري مرة أخرى لمواجهة النيران، على أن تبدأ عملية الإعمار والتشجير عما قريب، لكي تستعيد الجزائر غاباتها، وتعصر عجوز جبال جرجرة زيتونها.
Discussion about this post