الجزء الأول
بسم الله الرحمن الرحيم
يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ …
صدق الله العلي العظيم
ان التأمل والتدبر بهذه الآية الكريمة، يوفر لنا فرصة مناسبة ومساحة كافية، لرصد وتعقب حركة الإنسان من الولادة وحتى الممات، وما بعده، وتحديد وتبيان الفساد والفشل، ومألات الفلاح والخسران، ولعله قبل الاسترسال بالبحث والمقال، لابد من الإشارة والتميز بين أمرين يظن البعض أنهم من جنس وصنف واحد، وخصوصا عند من في قلوبهم زيغ ومرض … فهناك تشابه ظاهري، واختلاف جوهري في بعض سلوكيات وتصرفات الانسان، مثلا الجبن والحلم، يتشابهان في المظهر ويختلفان بالجوهر، فالحليم حريص على المصلحة العامة والجبان حريص على المصلحة الخاصة، فارق كبير بين الغلبة والنصر، فالغلبة ممكن أن تكون للكافر على المؤمن، ولن يكون النصر الا للمؤمن … ربما نجد سعيا للسلطة من طرف الشقي الفاسق والتقي المؤمن، ولكن هناك فارق كبير بين الحالتين، فالتقي يريد السلطة كوسيلة لتحقيق الإنصاف والعدالة، والشقي يريدها كغاية للجهالة والسفالة … وهنا نجد الفارق بين السياسة والسلطة، فربما، لا بل في أغلب الأحيان لا يصل الاتقياء للسلطة، ولكنهم لا يبتعدون عن السياسة، فالسلطة في أغلب الأحيان بيد الاشقياء، الا بحالات قليلة ونادرة، ولكن ما هو الفارق بين السلطة والسياسة، في الوقت الذي لا يراه الكثيرون، هناك فارق كبير وجوهري بين السلطة والسياسة، فكل من في السلطة سياسي، بينما ليس كل سياسي في السلطة، فربما يكون معارضا، في المعتقل أو المهجر، أو ربما يقتل … إن السياسة كالبحر والسلطة كالسفينة، فكل ما في السفينة هو في البحر، وليس كل ما في البحر في السفينة، ولا يصح للمتقي الإبتعاد عن السياسة، كما يدعو الخبثاء والجهلاء، بدعوة فصل الدين عن الدولة أو عن السياسة، فإن اول مهمة وتكليف للاتقياء هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا هو أقرب خط ونقطة تماس واحتكاك مع السلطة، فإذا كانت السلطة بخدمة الدين نجد الاستقرار، وإذا أرادت السلطة أن يخدمها الدين نجد الصراعات والانهيار والدمار، وخصوصا على المستوى الأخلاقي، وهنا نصل إلى الفارق الجوهري بين الفلاح والنجاح، ومن نهاية هذا الجزء ستكون بداية الجزء اللاحق أن شاء الله تعالى …
الجزء الأول
من طريق الكادحين إلى الله
بقلم جليل السيد هاشم البكاء
Discussion about this post