ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصانا به أمير المؤمنين(ع) حين قال: “أوصيكم عباد الله بتقوى الله، فإنها خير ما تواصى العباد به، وخير عواقب الأمور عند الله… ألا وإنَّ هذه الدنيا التي أصبحتم تتمنّونها، وترغبون فيها، وأصبحت تغضبكم وترضيكم، ليست بداركم ولا منزلكم الَّذي خلقتم له، ولا الّذي دعيتم إليه.
ألا وإنها ليست بباقية لكم، ولا تبقون عليها، وهي وإن غرّتكم منها، فقد حذَّرتكم شرّها، فدعوا غرورها لتحذيرها، وأطماعها لتخويفها، وسابقوا فيها إلى الدّار الّتي دعيتم إليها، وانصرفوا بقلوبكم عنها.. ألا وإنّه لا يضرّكم تضييع شيء من دنياكم بعد حفظكم قائمة دينكم”.
أيّها الأحبّة، هذه هي وصيّة عليّ(ع) لنا، أن تكون الآخرة كلّ سعينا، وأن لا تغرّنا الدّنيا وتخدعنا بزخارفها ومباهجها. وعند ذلك، سنملك وضوح الرّؤية، وسنسير على الخطّ الصّحيح، وسنصبح أكثر قدرة على مواجهة التحدّيات، وما أكثرها.
والبداية من الموازنة التي أخذت طريقها إلى مجلس النواب رغم الاعتراضات التي أثيرت حولها في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء الذي حولها إلى المجلس النيابي الذي يبقى عليه أن يقرها أو يرفضها أو يجري التعديلات عليها.
ونحن في هذا المجال، نجدد دعوتنا لممثلي الشعب اللبناني إلى أن يكونوا لسان حال اللبنانيين الذين ينوؤون بأعبائهم الحالية، وهم غير قادرين على تحمل أعباء جديدة طرحتها الحكومة في موازنتها.
إننا نعي مدى حاجة الدولة إلى تأمين موارد لها من خلال الضرائب ولا سيما التصاعدية منها، ولا ندعو إلى إدارة الظهر لذلك، ولكن هذا الامر يكون عندما تكون الدولة قد أمنت لمواطنيها ما يضمن ملء جيوبهم لا إفراغها بسبب سوء إدارتها وفسادها وهدرها، حتى باتوا معها ينتظرون إعانات الداخل والخارج كي يؤمنوا أدنى متطلبات عيشهم لا رفاهيتهم.
ونحن نعرف أن في وسع المجلس النيابي القيام بذلك، إن قام بالدور المطلوب منه على صعيد الرقابة على مؤسسات الدولة ومجالسها وبتفعيل القوانين التي تضمن إيقاف مزاريب الهدر والفساد وإعادة المال العام المنهوب الموجود في الداخل والذي هرب إلى الخارج، والكل يعرف إنه في حال رجوعه يستطيع أن يحل أو يساهم في حل الكثير من أزمات البلد.
إن اللبنانيين لا يريدون أن يسمعوا من نوابهم في المجلس النيابي خطابات تكتفي بتوصيف الواقع أو تتنصل من المسؤولية أو بما يدغدغ غرائزهم الطائفية أو المذهبية أو المناطقية، وبعد ذلك يعود كل إلى موقعه ويعود اللبنانيون إلى معاناتهم، فهم يريدون موازنة تراعي أوضاعهم لا وعود وتطمينات بمستقبل أفضل أو تعديلات ثانوية لا تسمنهم ولا تغنيهم من جوع.
في هذا الوقت، يعيش البلد على وقع خلافات حادة بين المواقع السياسية على العديد من الملفات نخشى من تداعياتها على صعيد عمل الحكومة أو على صعيد الشارع بعدما أخذ بعضها طابعاً مذهبياً وطائفياً ونحن في هذا المجال نعيد التأكيد على الجميع لضرورة العمل على تبريد الخلافات لتمرير الاستحقاق الانتخابي الذي ينتظره اللبنانيون وحتى لا ينفذ من خلاله من يريد تعطيل هذا الاستحقاق أو المس بأمن البلد، بعدما أصبح واضحاً أن لا علاج لأي من المشاكل في ظل هذا التجاذب الحاد وفي ظل الخطوط الحمر التي بتنا نشهدها.
أما على صعيد الانتخابات التي بدأ جميع الفرقاء بالاستعداد لها، فإننا نحذر من أن يكون تصعيد الخطاب في مواجهة الخصوم هو الذي يعتمد لكسب الأصوات واستمالة الجمهور بدل أن يكون التنافس فيها هو تنافس البرامج بحيث يقدم كل فريق برنامجه في كيفية مقاربته للأزمات التي يعاني منها البلد على كل الصعد والآليات التي سيعتمدها للوصول إلى حلها، وهنا ندعو المرشحين من النواب الحاليين أو من القوى السياسية أن يقدموا حساباتهم للناس عارضين الإنجازات والاخفاقات، ونقول للبنانيين: إن عليكم أن تحاسبوا الجميع وفق ذلك وليس وفق أي حسابات أخرى.
وبالانتقال إلى القضاء الذي يعكف هذه الأيام على المطالبة بحقوقه فإننا ندعو إلى ضرورة الاهتمام بهذا القطاع الأساس الذي لا يبنى وطن من دونه وتأمينه وتحصينه حتى لا يكون أداة من أدوات اللعبة السياسية أو لتصفية الحسابات.
إن الكثير مما نعانيه يعود إلى تحول القضاء إلى عصا في الصراع السياسي بدلاً من أن يكون عصا في مواجهة كل الفاسدين على المستوى السياسي أو الأمني أو أي موقع من المواقع.
أما على صعيد ترسيم الحدود وفي ظل الكثير مما يصدر من التأويلات فإننا ندعو إلى أن يكون المسؤولون أكثر شفافية لتوضيح ما يجري على هذا الصعيد وان يكون هناك اصرار على الحق اللبناني غير منقوص فلا يضيع بفعل الابتزاز او التسويات أو الحسابات الذاتية لهذا الفريق أو ذاك.
وأخيراً نطل على الوضع الفلسطيني حيث يستمر العدو الصهيوني في ممارسة القتل والقمع والحصار وتهديم البيوت من دون أن يستدعي ذلك أي عمليات شجب حقيقية من العالم، ومع الأسف يجري كل ذلك وبعض الدول العربية تشرع في هذه الأيام أبوابها للمسؤولين الإسرائيليين وتحتفي بهم غير آبهة بالشعب الفلسطيني وصرخاته وآلامه ومعاناته الكبرى.
إننا في الوقت الذي نشعر بالثقة في صبر هذا الشعب وصموده وثباته الذي يواصل تصديه للعدو في جنين والقدس وحي الشيخ جراح وغيرها، نريد للشعوب العربية والإسلامية أن تبقى حاضرة مع هذا الشعب وأن تقف إلى جانبه وتقدم له يد العون والتأييد بالكلمة والموقف والدعم بكل ما يؤمن له الصمود والثبات.
وأخيراً نستذكر في هذه الأيام الكبار من هذا الوطن الذين حفظوا بمواقفهم وبدمائهم وجهادهم وتضحياتهم هذا البلد ليبقى عزيزاً وحراً ومنيعاً بوجه أطماع العدو الصهيوني.
إن الوفاء لهؤلاء يقتضي أن تبقى الروح التي زرعوها حاضرة رغم صعوبات المرحلة وتحدياتها وما يخطط له الأعداء.
Discussion about this post