لعل من الأهمية في منطقتنا الاوسطية الاشارة والتنبيه الى خطورة اتباع سياسات قد تؤدي الى زيادة تفريغ البلاد من قدراتها المختلفة (الاقتصادية والمالية والثقافية..) وعلى الاخص القدرات البشرية والكفاءات العلمية والفنية الشبابية وشخوص الخبرات؛ سواء كانت وفق مخططات مدروسة (خارجية..) بحسن أو بسوء نية.
كما تزداد المخاطر جرّاء الانهيار الاقتصادي المتسارع منذ صيف عام 2019، نتيجة تفشي جائحة كورونا، والذي رجّح البنك الدولي أنيكون من بين أسوأ ثلاث أزمات في العالم منذ عام 1850، حيث لم تبقَ أي شريحة بمنأى عن تداعياته، وهنا تتضح شبكة المصالح المصرفية -السياسية عبر العالم بتوغّلها وتّغولها.
إضافة الى ما تمر به الأرض اليوم من احتباس حراري عالمي وإلى احتراق عالمي.
وموجات الحر والجفاف الشديد التي تضرب مختلف أنحاء العالم فضلاً عن زيادة معدل الحموضة في مياه البحار مما يهدد تدمير كامل لكوكب الأرض بما فيه من ملايين الأنواع الحية التي باتت مهددة بالانقراض.
نحن نعيش حالة طوارئ قصوى والوعود لن تكون كافية لدفع الخطر في العالم. نحن بحاجة إلى اتخاذ إجراءات حقيقية وحاسمة.
هذه أوقات استثنائية تتطلب جهوداً مخلصة لمواجهة تحدياتها، وتقتضي استجابات استثنائية تتطلب من الجميع رص الصفوف وتوحيد الرؤى للخروج بحلولٍ حقيقية وواقعية.
قد يكون من محاولات انقاذ اقتصاد لبنان من الانهيار وفق تصريحات لسياسيين لبنانيين، استجرار الغاز المصري عبر سورية حيث استطاع الأردنيون إقناع الأميركيين بهذه الخطوة، بما يتيح توفير الغاز والطاقة الكهربائية للبلدين …
التوافق الامريكي – الروسي تبدو ملامحه في العديد من الملفات الساخنة في العالم بعد اجتماع جنيف بين الرئيسين بايدن وبوتين، عبر الانسحاب الامريكي العاجل من افغانستان، وتصريحات وزير الدفاع التركي خلوصي أقار “إنها عملية ذات أبعاد متعددة يتم التنسيق فيها مع إخوتنا الأفغان ومع الناتو ومع الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي ” الحذر هنا من حرب أهلية لإطلاق يد طالبان في افغانستان وبسط سيطرتها وسط انقسام جغرافي – مذهبي – سياسي بين الحكومة الافغانية وطالبان والعديد من الفصائل الاخرى …
أما على المستوى الدولي والامم المتحدة فان استصدار القرار رقم 2585 الذي تم تقديمه من اربعة دول منها امريكا وروسيا الصادر عن مجلس الامن الدولي بخصوص المساعدات الانسانية وتمديد تسهيل دخولها عبر باب الهوى، مؤشر واضح حول التنسيق والتوافق بين الدولتين.
وقد يكون من المفيد دراسة انعكاسات هذا القرار على السياسات المتغيرة في الاقليم وسط قبول ومعارضة من أطراف عديدة اقليمية ودولية متدخلة في الملف السوري وقد يكون تنفيذ القرارات الدولية من صُلب هذا التوافق بما فيها القرار 242 -238 – 2254
إذا صدقت النوايا وجرى البدء بوضع قطار السلام على سكة السلام والاستقرار في المنطقة، تأتي الزيارات السرية بين ملك الاردن وحكام اسرائيل الجدد وما رشح عنها في حل الدولتين والسير بهذا المسار المتعثر منذ اوسلو، تبعتها زيارة الملك عبد الله الثاني الى امريكا ولقاءه الرئيس بايدن لاستكمال هذا المسار مع انعكاس ذلك على الملف السوري، ” تشاور الرئيس بايدن والملك عبد الله الثاني في البيت الابيض17 / 07 / 2017 بشأن فرص تعزيز السلام والاستقرار في الشرق الأوسط. وأعرب الرئيس في هذا الصدد عن دعمه القوي لحل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني واحترامه لدور الأردن الخاص كوصي على الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، وأعرب الرئيس عن دعم الولايات المتحدة للمشاركة بين الأردن والحكومة الإسرائيلية الجديدة بحسب ما يتضح من اتفاقهما الثنائي في وقت سابق من هذا الشهر لتحسين وصول الأردن إلى المياه العذبة وزيادة صادرات الأردن إلى الضفة الغربية.
وأثنى الرئيس بايدن على الدور المهم الذي يلعبه الأردن في الاستقرار الأوسع للمنطقة ورحب بالقمة الثلاثية الأخيرة في بغداد بين العراق والأردن ومصر، وناقش الزعيمان التحديات الهائلة في سورية وأهمية القيام بمبادرة إنسانية واسعة النطاق للوصول إلى كافة السوريين المحتاجين “.
من جهة اخرى دعت الصين خلال زيارة وزير خارجيتها لدمشق الى دعم حل سياسي شامل وتصالحي للقضية السورية. وتدعو الصين إلى دفع التسوية السياسية للقضية السورية بقيادة السوريين، وتضييق الخلافات بين جميع الفصائل السورية من خلال الحوار والتشاور وإرساء أساس سياسي قوي للاستقرار والتنمية والنهوض على المدى الطويل لسورية.
ويتوجب أيضاً على المجتمع الدولي توفير مساعدة بناءّة لسورية في هذا الصدد ودعم الأمم المتحدة في لعب دورها بصفتها قناة رئيسية للوساطة.
جاء ذلك خلال استقبال الرئيس الأسد وانغ_يي وزير خارجية الصين والوفد المرافق في دمشق 17 / 07 / 2021
وأكد الرئيس الأسد أنّ الصين دولة قوية ولها موقع كبير على الساحة الدولية، ونتطلع إلى توسيع مجالات التعاون معها على مختلف الأصعدة بالاستناد إلى حضورها وسياساتها الأخلاقية والتي تخدم معظم دول وشعوب العالم.
كما تم بحث مشاركة سورية في مبادرة الحزام والطريق، حيث أكد وزير الخارجية الصيني اهتمام بلاده بمشاركة سورية في هذه المبادرة نظرا لموقعها ودورها الإقليمي الهام، مؤكداً استمرار بلاده في دعم سورية في حربها ضد الإرهاب ومواجهة الحصار والعقوبات اللاإنسانية المفروضة، والتدخل في الشؤون الداخلية وكل ما يمس سيادة سورية ووحدة أراضيها.
ويرى مراقبون أن الزيارة تتسم بأهمية كبرى، تمثل بداية تحول في السياسة الخارجية الصينية نحو مزاحمة الغرب في مناطق عدة فالعالم.
الحديث يكثر حالياً في المنطقة الأوسطية عن “حوار” مطلوب بين الأطراف الحاكمة والمعارضة لها، كما هو الأمر واضح في لبنان وفلسطين وسورية والعراق واليمن وليبيا والجزائر والسودان، وبلدان أخرى، لحلّ الأزمات السياسية القائمة في هذه البلدان، ولكن باعتقادي أن المطلوب ايضاً هو التفاوض أو الجدل، لمناهضة سياسات التفريغ والحؤول دون انتكاساتها على مستقبل شعوب وبلدان المنطقة.
فالفرق كبير بين الحوار والتفاوض، وبين الحوار والجدل.
الحوار هو أسلوب مكاشفة ومصارحة وتعريف بما لدى طرفٍ ما، دون شرط التوصّل إلى اتّفاق مع “الآخر”، وأيضاً دون مدًى زمني محدد لهذا الحوار. أمّا التفاوض فهو ينطلق من معرفة بما يريده الآخر، لكن في إطار المحادثات التي تستهدف مُسبقاً الحصول على مكاسب في جانب، مقابل تنازلاتٍ في جانب آخر.
أما الجدل فهو حوار في أحد أوجهه حول موضوع محدّد لكن بشرط التوصّل إلى نتيجة مشتركة جديدة في وقت محدّد.
الجدل هو التقاء نقيضين وتفاعلهما في محتوى (أو موضوع) واحد، وبظروف معيّنة وبزمان محدّد، وتخرج حصيلة هذا التفاعل نتيجة جديدة بديلة عن النقيضين. فهو منهج علمي من جهة، وأسلوب تعامل انساني بين البشر من جهة أخرى.
لعله من المفيد الإشارة الى أن معظم بلدان المنطقة في حاجةٍ قصوى لكلّ هذه المفاهيم معاً.
هي بحاجة إلى حوار داخل شعوبها ومؤسساتها المدنية، وبين شخوص الفكر والدين والثقافة والسياسة والاقتصاد …
تحتاج أيضاً إلى مفاوضات بين الأطراف المتنازعة وصولاً إلى وفاق وطني يميّز بين الاختلاف السياسي المرغوب وبين الخلاف المسلح المرفوض، من أجل انهاء العنف ودرء استخدامه كوسيلة لإنهاء وحّل الصراعات الداخلية.
الحوار مطلوب من أجل تحديد صيغ المواطنة المشتركة بين أبناء الشعب الواحد، ومن أجل الحفاظ على التعدّدية الفكرية والعقيدية والاثنية والسياسية في المجتمع والوطن الواحد..
كل ذلك من أجل تعزيز مفاهيم “المواطنة الحقة ” و ” الدولة القوية العادلة ” و “الوطن الحر الديموقراطي ” و” استعادة السيادة والقرار “، على حساب المفاهيم الانقسامية التي تهدم الدول والأوطان وتُبرر التدخل الأجنبي بمختلف اشكاله وصوره.
فالدول كالأفراد تحتاج للنمو والتطّور والتغييّر المستمر، في حين أن معظم حكومات المنطقة تعيش في الماضي، وتُصارع الحاضر، وقلّة من يصنعون المستقبل.
مجتمعٌ حيوي، بنيانه متين هو ما نستهدفه، يقوم بتعزيز مبادئ الرعاية الاجتماعية وتطويرها لتحفيز مجتمع قوي ومنتج اقتصاديًا، من خلال تعزيز وتحديث المنظومة التعليمية والتربوية والثقافية، لتمكين بناء وبُنية الشخصية والهوية الوطنية، وإرساء منظومة اجتماعية – سياسية – اقتصادية – ثقافية متكاملة تضمن حقوق الانسان والمواطنة والديموقراطية التشاركية والتنمية المتوازنة المستدامة واللاّمركزية الادارية والمساواة وسيادة القانون.
نحلم ونعمل من أجل وطن أفضل …
والى لقاء آخر …
مهندس باسل كويفي
Discussion about this post