حديث الإثنين :
الإرادة الوطنية منتصرة دائماً
احمد ناصر الشريف
صحيفة 26سبتمبر العدد 2338
11 كانون1/ديسمبر 2023 م
الذهول الذي أصاب البعض داخل اليمن وخارجه من دخول القوى الوطنية في صنعاء التي يتصدر مشهدها مكون أنصار الله بقيادة قائد الثورة الشعبية السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي في مواجهة مباشرة مع العدو الصهيوني تضامناً مع أبناء الشعب الفلسطيني وما يتعرض له قطاع غزة من قتل وتدمير ومجازر إبادة جماعية وتدمير للبنية التحتية لم يشهد لها التاريخ مثيلا جعلهم غير مصدقين بأن الوضع في اليمن قد تغير وأن طموحات كل أبناء الشعب اليمني وتطلعاتهم قد أصبحت تنحصر في التحرر من الوصاية الخارجية والعمل على بناء الدولة القوية العادلة وبفضل هذا التوجه أصبحوا اليوم يمتلكون قرارهم السيادي بأيديهم رافضين وبشدة كل إملاءات الخارج كما كان يحدث في العقود السابقة عندما كان الحكام لا يقطعون أمراً إلا بعد تلقي التوجيهات من الدول المهيمنة على القرار السياسي اليمني وخاصة أمريكا والسعودية وعليه فقد أصبح الموقف اليمني التضامني مع الشعب الفلسطيني وما يتعرض له قطاع غزة من عدوان ظالم حديث العالم وفخراً لكل الشعوب العربية والإسلامية التي كانت تتمنى أن يكون لقادتها مواقف مغايرة تماماً لمواقف الشجب والاستنكار كما هي عادتهم .
فهاهو اليمن الحر اليوم يحرم الكيان الصهيوني من مرور سفنه عبر البحر الأحمر ومنع أية سفيه أخرى تذهب إلى إسرائيل من أي جنسية كانت وهذا يحدث لأول مرة في تاريخ هذا الكيان اللقيط في الوقت الذي تقوم فيه مشيخة الإمارات العربية المتحدة بقيادة المتصهين محمد بن زايد بتأمين خط بري ينقل البضائع إلى الكيان الصهيوني عبرها مروراً بالسعودية والأردن وصولاً إلى حيفا غير مكترثين بالمجازر التي يرتكبها جيش هذا الكيان بحق الأبرياء من الشيوخ والنساء والأطفال في قطاع غزة تلك المجازر التي أدمت قلوب العالم أجمع ، ولم يكتف اليمن بذلك فحسب وإنما قام بتوجيه ضربات مؤلمة إلى منطقة إيلات المحتلة بجنوبي فلسطين بواسطة الصواريخ البالستية والطيران المسير، ومن المفارقات العجيبة والغريبة أن أولئك العملاء والمرتزقة المرتبطين بالخارج ينتظرون متى تقوم أمريكا وإسرائيل بالردّ على الهجمات اليمنية وقطع خط الملاحة في البحر الأحمر على الكيان الصهيوني غير مدركين أن اليمن الجديد رغم ما يتعرض له من عدوان مُنذ تسعة أعوام وحصار خانق وقطع للمرتبات فإنه قادر على الدفاع عن نفسه ولا تخيفه التهديدات الأمريكية كما تخيف الحكام العرب الخاضعين لإرادتها وأن لديه من القدرات الهجومية والدفاعية ما يجعل أمريكا وإسرائيل تعمل له ألف حساب ، ونعتقد أن هذا الموقف اليمني المنطلق من الواجب الديني والقومي المسؤول إزاء الشعب الفلسطيني يمثل رسالة مهمة للسعودية والإمارات اللتين ما يزال قادتها خاضعين للإملاءات الأمريكية وينفذون توجيهاتها بخصوص استمرار عدوانهم على اليمن وعدم استجابتهم لصوت العقل لإنهائه وسحب قواتهم من المناطق المحتلة قبل أن يقع الفأس في الرأس .
صحيح أننا لا ندعي الكمال ولم نبلغ بعد المرحلة التي نأمل من خلالها أن نكون قد استكملنا بناء أركان الدولة الحديثة لأن الواقع الموروث معقد جدا وما تزال هناك أخطاء ترتكب نتيجة لتبعاته وفي ظل الوضع الاستثنائي الذي نعيشه بفعل ما يواجهه اليمنيون من عدوان بربري فُرض عليهم وهذا شيء طبيعي حيث لا يوجد مجتمع ملائكي عبر التاريخ خاليا من الأخطاء بما في ذلك مجتمعات الأنبياء والرسل عليهم السلام حيث كانت تأتيهم الخيانات من داخل بيوتهم وقد ذكرها الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم ، وكم هو مؤسف أن يكون تعاملنا محصوراً مع نتائج ما يحدث لنا وليس مع الأسباب التي أدت إلى هذه النتائج خوفاً من محاسبة المتسبّبين وتحميلهم المسؤولية وهذا تعامل وتقييم خاطئ لن يزيد قضايانا إلا تعقيداً وقد سبق أن تحدثنا عنه بالتفصيل في مقالات سابقة ولا مانع من التكرار .
ولو توقفنا قليلاً أمام بعض الآيات القرآنية التي يتحدّث الله سبحانه وتعالى فيها عن مواقف وقضايا لوجدنا أن الحديث عن هذه القضايا يبدأ بالأسباب وينتهي بالإشارة إلى النتائج بحيث يعتبر الناس بها ويتجنّبون وقوعهم في الأخطاء التي قد تقود أحياناً إلى التهلكة ، وهنا لابد من أن نتساءل : ليس من المعقول أن يتراجع وعينا بالنسبة لمعالجة قضايانا إلى الخلف في الوقت الذي يُسارع فيه العالم من حولنا إلى تحقيق المعجزات والمحافظة على وحدتهم الوطنية والفكرية ليزدادوا قوة ومنعة تبعدهم عن تلك الأفكار والسلوكيات التي تفرّق المجتمعات وتضعفها وتدمر بنيتها بل وتجعلها في النهاية لقمة سائغة يسهل ابتلاعها من قبل أعدائها خاصة عندما يتعلّق الأمر بالاختلافات الحزبية غير الصالحة للدول والشعوب المتخلفة والتي قال عنها حكيم اليمن القاضي عبد الرحمن الإرياني ، رئيس المجلس الجمهوري الأسبق رحمه الله : ( إن الحزبية تبدأ بالتأثر وتنتهي بالعمالة ) وكما هو معروف فإن طبيعة الأحزاب التي نشأت في الوطن العربي واليمن جزء منه لم تقم من أجل تحقيق مهام استراتيجية بعيدة المدى تتمثل في إنجاز واستكمال الاستقلال السياسي والاقتصادي وصولاً إلى سلوك طريق التطور الوطني الديمقراطي الذي يستلزم إعادة النظر في بعض تركيبات الوضع الاجتماعي وتنوعاته وفرز العناصر المستهلكة التي لم تعد تستطيع السير إلى نهاية الطريق ولذلك فإن هذه الأحزاب التي نشأت في عدد محدود من الدول العربية كمصر وسوريا والعراق ابتعدت كثيراً عن هذا الواقع الذي يخدم تحقيق تطلعات الأمة بقدر ما كان يهمها الوصول فقط إلى السلطة بواسطة الانقلابات وتصفية خصومها السياسيين المختلفين معها في مبادئها وأفكارها وتمدّدها في الدول العربية من خلال فتح فروع حزبية فيها يكون ولاؤها لها وليس لأوطانها وعندما نتوقف أمام ما يجري في اليمن كنموذج سنجد أنه لا يوجد حزب أو تنظيم سياسي مهما ادعى الوطنية إلا وهو مرتبط بالخارج بدليل أن هناك أحزاباً وتنظيمات سياسية تتفاخر بشعاراتها غير الوطنية وإذا لم تكن علاقتها عضوية بالمرجعية الخارجية فعلى الأقل هناك تنسيق وتعاون يغلّب خدمة القضايا الخارجية على خدمة القضايا الوطنية ولا نريد الدخول في التفاصيل حتى لا يتم تفسير ما أشرنا إليه بسوء نية ويقال أننا نتحامل على الأحزاب والتنظيمات السياسية المنقسمة أصلا على نفسها فكيف بموقفها من قضايا الوطن لاسيما في ظل المرحلة الحالية التي يشهد اليمن فيها عدوانا ظالما وبربريا من حيث قوته وشراسته .
Discussion about this post