استراتيجيات العدوان..
-في مطلع العدوان على سوريّة، في سياق ما سمّي “ربيعاً عربيّاً”، تمّ التركيز على تهجير أكبر نسبة من السوريّين، خاصة في المناطق الحدودية، وتحديداُ مع الأردن ولبنان وتركيا..
-ثمّ تمّ التركيز على عنوان التهجير الترهيبيّ، بحقّ ملايين السوريّين، وهو التهجير الذي رافق سيطرة مجموعات مسلحة، تحت عناوين متعدّدة ومتنوعة، على مناطق واسعة من أراضي الدولة السوريّة..
-يومها تم التركيز على واحدة هامة جدّاً، وهي أنّ هذا “التهجير القسريّ” الذي مارسته أجهزة استخبارات عربية وإقليمية، بحقّ كثيرٍ من السوريّين، كانت تعمل على استعمالهم كورقة في السياسة للضغط على النظام السياسيّ في سوريّة..
-اليوم نريد أن نضيف واحدة، نعتقد أنّها هامة، ومطلوبٌ منّا أن نطلع أهلنا السوريّين عليها، وهي أنّ هذا التهجير، وفي جذر حقيقته، كان أكثر خطورة ممّا بدا عليه في مرحلته الأولى، هذه الواحدة الهامة تتلخّص بأنّ العدوان، كان يرمي أيضاً من وراء هذا “التهجير القسريّ”، إلى التركيز على ضرب طاقة استقرار السوريّين..
-ماذا نعني بقولنا:
“ضرب طاقة استقرار السوريّين”؟..
مفهوم لدينا جميعاً أنّ جميع الشعوب الحيّة، والتي تكون مستقرة وآمنة – في ظلّ الدولة المُنجزَة – تمتلك طاقات هائلة يمكن ان تعبّر عنها، في الدفاع عن أولوياتها الوطنيّة، خاصة عندما تتعرّض هذه الأولويات للعدوان والنيل منها!!..
-لهذا فقد ركّز العدوان في مرحلته الأولى، على ضرب طاقة استقرار الشعب السوريّ، هذه الطاقة التي يمكن أن يستعملها السوريّون في وجه الفوضى التي كان العدوان يدفع باتجاهها، حتّى بعد سقوط النظام السياسيّ، خاصة وأنّ سقوط النظام كان هدفاً من أهداف العدوان الرئيسيّ!!..
-إنّ فعل “التهجير القسريّ”، ضمن ظروف الخوف والقلق والرعب، سوف يؤدي بالسوريّين للبحث عن ألف باء النجاة، أمّا بالنسبة للأهداف والأولويات الوطنيّة الكبرى، فهي في حسابات أطراف العدوان، سوف تغيب وتتراجع..
-كان العدوان يعتقد، أنّ سقوط النظام السياسيّ في سوريّة، سوف يؤدّي إلى تفكيك الدولة تماماً، وبالتالي فهناك هدفٌ أعمق لهذا العدوان، وهو، أنّه كان مطلوباً أن يعيش السوريّون حالة من الضياع المطلق، بغية عدم قدرتهم على إعادة إنتاج الدولة، بالقوّة والأولويات التي كانت عليها قبل العدوان!!..
-كانت تدرك أطراف العدوان تماماً، أنّ لدى السوريّين طاقات كبيرة وهامّة، وهم قادرون على استعادة دولتهم وأولوياتهم، حتّى بعد سقوط النظام، لذلك كان مطلوباً النيل من هذه الطاقات التي يمكن أن تفيد في استعادة الدولة!!..
-لهذا فإنّ “التهجير القسريّ” كان رئيسيّاً للوصول إلى تلك الأهداف، لكنّ الدولة لم تسقط، بمعنى أنّ الأولويات بقيت مصونة بفضل طاقة الاستقرار التي أمّنتها الدولة ببقائها، ولو أنّ ظروف استقرارها قد تبدّلت وقد تمّ النيل منها كثيراً..
-لهذا فإنّ أطراف العدوان انتبهت إلى هذه الواحدة الهامة، حين يئست من إسقاط النظام، وبالتالي من تفكيك الدولة، فعمدت إلى خطوة جديدة، تتلخّص في “التهجير الترغيبيّ” من جديد، وهو تهجيرٌ ممنهج جدّاً، ومدروسٌ جدّاً، يقوم على اثنتين هامّتين:
1-استغلال الوضع الاقتصادي للدولة..
2-استغلال التقارب العربيّ مع الدولة..
-إنّ الوضع الاقتصاديّ للدولة، نتيجة العدوان عليها، انعكس سلباً على حياة السوريّين، فتمّ استغلال كثيرٍ من السوريّين، ودفعهم دفعاً ترغيبيّاً للهجرة خارج سوريّة، وتحت عناوين جديدة، وسمات مختلفة، وصولاً إلى ذات الأهداف التي هُجّر من أجلها السوريّون، منذ الأيّام الأولى للعدوان عليهم، في عام 2011م..
-في ظلّ هذا الاستهداف الناعم، تستغلّ أطراف العدوان أيضاً، صمت مؤسسات الدولة الرسميّة، نتيجة “التقارب العربيّ” مع الدولة، وهو مناخٌ جديدٌ سوف يساهم في تعطيل دور مؤسسات الدولة، في مواجهة هذا العدوان!!..
-هنا كان مطلوباً، ولمّا يزل، أن تتجاوز القوى المجتمعيّة الحيّة الحقيقيّة، لمواجهة هذا العدوان، بعيداً عن صمت مؤسّسات الدولة، هذه المؤسّسات المحدّد دورها أساساً بالقانون والدستور، وهي غير قادرة على تجاوزهما!!!..
-وهنا السؤال الهام والخطير جدّاً:
ماذا تريد أطراف العدوان، من تشجيعها السوريّين على الهجرة، بهذه الطريقة “الترغيبيّة”، علماً أنّ الحكومات التي تدفع بهذا الاتجاه، كان يمكن لها أن تمارس دوراً آخر لدعم السوريّين، والوقوف إلى جانبهم، وتحديداً في محنتهم التي كانت هذه الحكومات رئيسيّة وأساسيّة فيها..
-إنّ هذا التهجير له أهدافه الواضحة جدّاً، والتي تتجلّى بسحب أكبر نسبة من المواطنين السوريّين المؤثّرين في مجتمعهم السوريّ، خاصة على المستوى العاطفيّ والاجتماعيّ، لزجّهم في مجتمعاتٍ جديدة، أولوياتها وتفاصيل علاقاتها مختلفة، وهي أولوياتٌ متناقضةٌ مع أولويات مجتمع السوريّين في ظلّ دولتهم المستقرّة!!..
-إنّ هذا البناء الجديد، لأنساق مجتمعيّة سوريّة جديدة، ذات أولويات ومفاهيم جديدة، تشكّلت وفق معايير وظروف وحاجات مختلفة، سوف يجعل هذه الأنساق مستقبلاً، ألغاماً سياسيّة مستقبليّة، ستنال من طاقة استقرار الدولة، التي قامت، وتقوم، على أولويات وطنيّة وروحيّة مختلفة تماماً..
-لا تستغربوا هذا الكلام، أو هذه القراءة، لأنّه لو نظرتم حولكم وبعين بسيطة، تجدون أن نسق الإعلام العربيّ التطبيعيّ، الذي يملأ الفضاء الإعلاميّ، في ممالك الكاز والغاز، أساسُه أنساقٌ اجتماعيّة، تمّ سحبها ترغيباً، ضمن ظروف سمحت لهم بذلك، وعادوا اليوم كي يكونوا رأس الحربة الرئيسيّة، في العدوان المعنويّ، على أولويات الأمّة وحقوقها!!!..
خالد العبود
Discussion about this post